الجمعة، 27 يونيو 2014

تطلب الأمر من سميح طوقان قرابة عقد من الزمن حتى يتمكن من تحويل مكتوب، شركة الانترنت التي أسسها مع شريكه حسام خوري، الى شركة انترنت عربية عملاقة. لكن بعد أقل من ثلاث سنوات على بيع الشركة الى ياهو بمبلغ 164 مليون دولار، يعتقد طوقان أنه أسس شركة أكبر من سابقتها.
السرعة التي نمت بها مجموعته لشركات الانترنت «جبار» تحكي الكثير عن التوسع السريع في صناعة الانترنت في الشرق الأوسط. كما تحكي أيضا عن قدرات طوقان نفسه الذي يعد وهو في الثانية والأربعين من عمره أنجح رجل أعمال مبادر في صناعة الانترنت في منطقة الشرق الأوسط ويتفوق على نظرائه بأشواط كبيرة.

بداية الطريق
علاقته بصناعة الانترنت في المنطقة تعود الى مراحلها الأولى. فبعد أن عمل لفترة قصيرة في مجال الاستشارات الادارية، أسس طوقان شركته الأولى للاستشارات في مدينة عمان بالأردن في أواخر التسعينات. واحدة من عقود العمل الأولى لشركته كانت مع ارامكس للخدمات اللوجستية. وتضمن عقد العمل بناء أول موقع للشركات باللغة العربية.
ويتذكر طوقان قائلا من مكتبه في مدينة دبي للانترنت حيث مقر مجموعة جبار «كان ذلك مدخلنا الى الانترنت. لكن، كان لدي دائما ذلك الشعور حول كيف يمكنني القيام بشيء ذي تأثير كبير على المشهد العربي؟ أردنا أن نتخطى الحدود وأن نتوسع اقليميا».
والنتيجة تمثلت في مكتوب، الخدمة التي انطلقت بشكلها الأصلي عام 2000 وكانت أول موقع يقدم البريد الالكتروني عبر الانترنت بواجهة عربية. في ذلك الوقت، كان عدد مستخدمي الانترنت في العالم العربي برمته أقل من مليون مستخدم ولا وجود تقريبا لصناعة الانترنت. فيما لم يتجاوز عدد مستخدمي موقع مكتوب الآلاف.
جزء من مهمة مكتوب الأولى تمثلت في شرح الانترنت نفسه، الذي كان لا يزال جديدا بالنسبة للكثيرين. في رحلة الى دمشق في سنوات الشركة الأولى، التقى طوقان برجل أعمال سوري بدا حينها مهتما بامكاناتها، الا أنه سأله في وقت لاحق ان كان هو الوكيل الرسمي لشبكة الانترنت والموزع الاقليمي الحصري لحقوق الانترنت.

صناعة الدوت كوم
لكن مع الازدهار الكبير الذي شهدته صناعة الدوت كوم في الولايات المتحدة وحديث حكومات الشرق الأوسط، بما فيها حكومة الأردن بقيادة الملك عبدالله الثاني المتوج حديثا على العرش آنذاك الداعم للتكنولوجيا بالحديث عن الامكانات الاقتصادية للانترنت، كانت الأمور موشكة على تغير قريب. اذ سرعان ما حصلت مكتوب على تمويل من البنك الاستثماري المصري اي اف جي هيرمس وبحلول 2003، تجاوز عدد مستخدمي الموقع حاجز المليون مستخدم.
في العقد الذي أعقب اطلاق الشركة، زاد استخدام الانترنت في العالم العربي بوتيرة أسرع من أي مكان آخر في العالم. ادارة طوقان الحذرة والمتحفظة أدت الى أن تلعب مكتوب دورا بطيئا وثابتا على امتداد العقد الأمر الذي جنب الشركة الانفاق اللامسؤول أو أجندات النمو المغالية في الطموح التي تؤدي في غالب الأحيان الى نهاية شركات الانترنت.
ويقول «يكمن الاغراء في المحاولة وفي الاستحواذ على كل شيء أي اطلاق الشركة الأكبر والأفضل من اليوم الأول. لكننا سلكنا نهجا مختلفا: بدأنا صغارا وكبرنا بذكاء وتوسعنا إلى بوابة كاملة. حتى المستثمرون في مشروعنا كانوا يسألونني دوماً عن سبب احتفاظي بالمال في البنك».
وقد حافظ ذلك النهج التدريجي في التوسع على السيولة النقدية، وضمان ألا تفرط الشركة أبداً في التوسع. وكان نتيجة ذلك أنه بحلول النصف الثاني من العقد، أي حين ازدهر استخدام الإنترنت في المنطقة، وظهور الإمكانات التجارية لجمهور كبير على شبكة الإنترنت، كانت مكتوب في وضع جيد للدخول في موجة شراء، وقامت بشراء قرابة اثني عشر موقعاً صغيراً أضافت مجتمعة ملايين المستخدمين الجدد إلى إجمالي جمهورها ومستخدميها.

البرامج والتحميل
صفقة واحدة من هذا القبيل تمثل طبيعة الحدود لصناعة الإنترنت العربية في ذلك الوقت. وقد وجد طوقان موقعاً متخصصاً في استعراض البرامج والتحميل باللغة العربية، وقدم لمالكه عرضاً لشراء الموقع. لكن إتمام الصفقة أصبح أمراً معقداً بعد أن تبين أن صاحب الموقع يعيش في المناطق الجبلية في منطقة الريف باليمن، التي لا تصلها خدمات شركات البريد السريع لتسليمه العقود والأوراق المطلوبة.
كما أخفق عرض بالالتقاء في دبي عندما قال المالك إنه لا يملك جواز سفر، وأنه سيواجه تعقيدات بالسفر إلى العاصمة اليمنية صنعاء لاستخراج جواز سفر. بل وحتى عندما تم تجاوز تلك العقبات، شكل دفع ثمن الموقع مشكلة في حد ذاتها: فالمالك لم يكن يملك حساباً مصرفياً لإيداع الأموال فيه.
وكما يقول طوقان بهذا الشأن «إذا ما فكرت في الأمر، هذا الرجل لم يكن لديه حساب مصرفي ولا جواز سفر، لكننا كنا نعقد معه صفقة ستغير حياته. إن الإنترنت حقيقة يخلق الكثير من الفرص للناس».
وقد ثبت أنه مشروع مربح بالنسبة لطوقان. فصفقة ياهو التي تبلغ 164 مليون دولار تبقي أكبر صفقة على الإطلاق في صناعة الإنترنت العربية، والتي أصبحت بمنزلة معيار الذهب بالنسبة لأصحاب المشاريع الذين يتطلعون إلى إنجاز كبير في صناعة الإنترنت في الشرق الأوسط».

بناء «جبار»
فور إتمام عملية البيع تقريباً، بدأ طوقان ببناء شركة جديدة وهي جبار، والتي تضم وحدات من مجموعة مكتوب السابقة لم تتضمنها صفقة البيع، ومنها سوق دوت كوم، وكاش يو دوت كوم، وكوبون دوت كوم، إضافة إلى أيكو دوت كوم، وجوب دوت كوم، وتحدي دوت كوم.
ويقول في هذا الصدد: «قلت للجميع: استغرق موقع مكتوب 10 سنوات، امنحونا ثلاث سنوات. وبعد مرور ثلاث سنوات الآن، أعتقد أن جبار أكبر من مكتوب».
وفي حين أن نمو مكتوب استند إلى الأساسيات الأولى لشبكة الإنترنت، البريد الإلكتروني، منتديات النقاش والأخبار والمدونات، يعتبر جبار إلى حد كبير منتج لعصر الصناعة الحديثة.
أكبر وحدة في الشركة وهي سوق دوت كوم Souq.com، أصبحت أكبر متجر للتجزئة على الإنترنت في العالم العربي، إذ تقدم سوقاً متنامية إلى منطقة لا يزال يتعين على شركات عالمية عملاقة مثل أمازون أن تبني فيها حضوراً رسمياً.
نمت إيرادات مجموعة جبار بنسبة %160 خلال العام الماضي، وتتوقع الشركة أن يتم إنجاز صفقات تتجاوز قيمتها 400 مليون دولار عبر مواقعها في 2012، ويعتقد طوقان أن الشركة التي لا يتجاوز عمرها ثلاثة أعوام سيبلغ عدد موظفيها 670 موظفاً بحلول نهاية العام الحالي.
وفي حين يري طوقان فرصاً كامنة بالنسبة لجبار عبر الإنترنت تتراوح بين التعليم عبر الإنترنت إلى الألعاب والإعلانات، إلا أن المجموعة تشدد تركيزها على المستهلك والتجارة الإلكترونية.
ويقول في هذا الصدد «بدأت السوق بالتحرك بخطى أسرع، هناك المزيد من الاستثمارات، ومع مرور الوقت أدركنا أننا لايمكن الفوز والربح في كل المجالات، إننا نختار مجال قوتنا».

انضباط وتركيز
ذلك الانضباط والتركيز من الخصائص المميزة في شخصية طوقان الذي يبدو أنه أول عربي يبني ليس شركة واحدة بل شركتين للإنترنت تقدر قيمتهما برقم مليوني من ثلاث خانات. فالنهج الصبور والمنضبط في الانفاق أبقى «مكتوب» على قيد الحياة خلال السنوات العجاف التي مر بها قطاع الانترنت الناشئ في المنطقة، رغم ظهور واختفاء مواقع أخرى.
أبرز المواقع التي خرجت من السوق كان موقع العربية أون لاين، وهو أول تجربة في اطلاق بوابة على شبكة الانترنت لعموم المنطقة. بدأ الموقع بمجموعة من الأردنيين، وبتمويل بلغ عشرات الملايين من الدولارات من مستثمرين، من ضمنهم الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وشكل الموقع أكبر منافس لمكتوب في حينه. لكن الانفاق الشديد لادارته في عصر كانت فيه مصادر الدخل عمليا غير موجودة أدى الى زواله السريع.
على متن رحلة جوية متجهة الى العاصمة عمان خلال أوج ازدهار العربية أون لاين، مر طوقان من أمام فريق ادارة الشركة الجالس في مقاعد درجة رجال الأعمال. أغاظ الرجال، وهم أصدقاء له من مجتمع الانترنت المترابط والمتحد بشكل وثيق في الأردن، طوقان مازحين وهو يمر في طريقه الى مقاعد الدرجة السياحية.
ويتذكر طوقان قائلا: «ضحكنا جميعا وقلت لهم: لنرى من سيجلس في النهاية في مقاعد الدرجة الأولى».

رحلة أكاديمية... من عمّان إلى لندن ثم باريس
ولد سميح طوقان، رئيس مجلس ادارة «مكتوب»، عام 1969 في عمّان بالأردن، وحاصل على شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة لندن عام 1990، وأكمل دراسته العليا بباريس بحصوله على الماجستير في ادارة الأعمال من جامعة HEC. عمل في شركة آرثر آند آندرسون للاستشارات الادارية والتكنولوجية، ثم عاد الى الأردن وأسس مع صديقيه حسام خوري، الذي يشغل منصب الرئيس، وفادي غندور، الرئيس التنفيذي لشركة آرامكس، مكتبا استشاريا في مجال التكنولوجيا، ثم قرر طوقان وصديقاه أن يكون لهم السبق في انشاء أول موقع عربي يقدم خدمة البريد الالكتروني، وانطلق المشروع التجريبي له عام 1998 من بيت عائلة طوقان.

أكبر بوابة إلكترونية عربية
اسم الموقع مكتوب هو كلمة عامية تعني الرسالة المكتوبة بخط اليد، وجاء الاسم ليرمز الى البريد الالكتروني. وحصل الموقع في أول انطلاقته على 5 آلاف مشترك. وفي عام 2000 ومع الزيادة المهولة في عدد المستخدمين، وصل عدد مستخدمي بريد مكتوب الى 100 ألف مستخدم، الأمر الذي جذب اليه البنك الاستثماري المصري «أي اف جي هيرميس» باستثمار 5. 2 مليون دولار. ثم تحققت الانطلاقة الكبيرة مع اطلاقهم لحملتهم الضخمة «سجل أنا عربي». ثم أطلق بعدها «مكتوب» العديد من الخدمات الالكترونية ليصبح أكبر بوابة الكترونية عربية.
رجل الاعمال سميح طوقان

■ فايننشال تايمز ■

2 التعليقات: